بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه ؛ أما بعد :
فهذا جواب على تساؤل طرحتُه - قديمًا - في دعوة مفتوحة للنقاش والتحاور ، وكان التساؤل بعنوان :
من أين استمد المفجرون أفكارهم ؟
وأكّدتُه بقولي :
نعم ؛ أيها الأحبة لماذا لا نتابع النقاش والتحاور حول هذا الموضوع الخطير ، والخطير جدًا ؟
وقد أجاب المشاركون بإجابات مباركة - إن شاء الله - ، أنقل لكم بعضها بتصرف يسير :
ذكر أحد المشاركين بأن المفجّرين :
" استمدوا الأفكار من زبالة أهل الأهواء ( الخوارج والمعتزلة )، وأصّلها لهم واعادها ( سيد قطب والمودودي ) على منهج عصري في الطرح ، فيه الرموز والاصطلاحات الباطنية !! ورائدهم في ذلك اقبال الوجودي الهندي .
فنشأت الناشئة على أن سيد قطب والمودودي الشهيدان ، واقبال الشاعر الثائر " .
- وفي تفصيل أكثر ، أوضح مشارك آخر الفكرة :
" لقد بدأ أهل التهييج بتهييجهم منذ فترة طويلة ؛ ولكن كلما ظهر لهم قرن قلعه العلماء ، واطمأن الناس لمقالات العلماء ، فغاض هذا أهل التهييج والتكفير والتفجير .
فجندوا بعض من تربوا في أحضانهم ، وأرضعوهم أفكار الخوارج ؛ ليكسبوا ثقة الناس .
فهبّ أولئك النفر ، واستغلوا المواعظ والقصص ؛ ليلفتوا انظار الناس ، ويكسبوا ثقتهم .
وأكثر شيء استغله الحزبيون لنشر باطلهم :
١ - الشريط ، ٢ - الكتيّب ، ٣ - المطوية ؛ لأنها سريعة الانتشار .
فالواجب أن يستعملها أهل السنة ضدهم ؛ حيث أفنى المهيّجون الجدد جهوداً كبيرة في سبيل نيل ثقة العامة ، وفعلاً وللأسف اغترّ بهم من اغترّ ، فأصبحوا ينادونهم الشيخ فلان ، ويطلبون أرقامهم ؛ ليفتوهم إذا احتاجوا ، وأخذوا يوزعون أرقامهم يمنة ويسرة .
وإذا ما بيّنت ضلال هذه الأفاعي هبّ العامة غاضبين ، وحجتهم ( يكفي انهم اهتدى على أيديهم نفر كثير ) !
وبعد ان أحكموا القبضة على عقول الشريحة الكبيرة من العامة ، انتقلوا إلى الخطوة الثانية :
فأخذوا يدرسون المتون ، ويتجرؤون على كبارها ويشرحونها ؛ حتى يكسبوا أنفسهم صفة طلاب العلم ؛ بل والمشايخ بحق ، ويروّجوا لكتب المفكر الفلاني ، الصادع بالحق ، الذي قتل شهيدًا - على حسب زعمهم - ويدسون السُّمّ في الدّسم ، فيزرعون ، ويبذرون بذور الخروج في شباب جدد لعلهم يخلفونهم في باطلهم ، ويستغلون ما يحدث فيتكلمون في كل شيء ، يجمعون قصاصات الأوراق ويدرسونها في بعض المساجد ؛ بل ويعلقون عليها ؛ حتى أصبح بعض الناس يقول : الشيخ فلان عالم يهتم بأمور المسلمين ، فكلما قرعت قارعة نظروا ماذا يقول الشيخ فلان !
وجاءتهم فرصتهم في حرب الخليج ؛ فظهروا على حقيقتهم وعادوا إلى طبيعتهم ( مهيّجون ) ، فامتطوا صهوة العاطفة ، فانعطفوا بالناس عن الحق المستقيم .
فلمّا قمع العلماء شُبههم ، واقتلعوا قرنهم ، اخذوا ينفِّذون الخطوة الثالثة :
ألا وهي التشكيك في العلماء ، فتارة يُصَنَفُ العلماء الربانيّون بأنهم علماء حيض ونفاس ، وتارة يغمز من طرف خفي بأنهم لايستطيعون الصدع بالحق ؛ بل إنهم - زعموا - أن العلماء يفتون للحكام ، ومن ثم يصرِّح بعضهم أنه قد أثبتت الفتنة ، وكشفت أنه ماعادت للمسلمين مرجعية معتمدة معتبرة يرجعون إليها !
فلمّا انقاد بعضهم وراءهم كالبهائم ، واطمأنوا أن الأمة الإسلامية قد تجرّعت السم ، وأنهم قد استطاعوا خلع ثقة - ، ولو بعض - الناس في علمائهم ؛ خلعوا ثياب الحمل الوديع ، وعادوا إلى أصلهم ، واتبعوا طريقتهم ، وانقلبوا يطعنون في العلماء ، فألفوا بأن من العلماء من عقيدته عقيدة المرجئة ، وأن من العلماء من هو بوق لحكام إحدى الدول ، وسلّطوا السفاء بجرأتهم هذه على أن ينالوا من العلماء !
ومن ثم عادوا بعد أداء المهمة بنجاح - ولو كان قليلًا - للتهييج ، فولّدوا بصنيعهم هذا مسوخًا تعتدّ برأيها ، وتتقدم على كلام العلماء ، وإذا لم يتقدموا ؛ عقّبوا ، وعلّقوا على كلامهم ، وخطّؤوا من لم يوافق هواهم ، وأوّلوا كلام من لا يستطيعون المجاهرة بتخطئته !
وبعد فترة انتكست فطرهم - والعياذ بالله - فهان عليهم مدّ جسور التفاهم والعذر للرافضة ، والعلمانيين ، وغيرهم من أعداء الملة ، وما هان عليهم قَبلُ أن يفهموا كلام أهل العلم ؛ حيث كالوا لهم الاتهامات في العقائد ، والإخلاص !
وهؤلاء قد اعتمدوا - كما هو حال أهل البدع دومًا - على العمومات ، ونبذوا تفصيلات أمناء الإسلام ، ممن قال الله فيهم أنهم هم أشد الخشية له من أهل الأرض ، واختصهم النبي بميراثه " .
- وأفاد ثالث :
" استمد المفجرون أفكارهم من أشياء كثيرة منها :
١ - كتب سيد قطب رحمه الله وخصوصاً كتاب ( معالم في الطريق ) الذي يتضح فيه الدعوة إلى الخروج ، ومذهب الخوارج .
٢ - أُبعِد الشباب عن علمائهم الكبار .
٣ - الجهل بمنهج السلف الصالح مع ولاة الأمور من حيث السمع والطاعة ، والبيعة لهم ، وعدم الخروج عليهم ، والجهل بمنهجهم في باب التكفير .
٤ - تعلّق الشباب بـ ( الشباب = مشايخ الصحوة الحركيين وغيرهم من أرباب الجماعات الضالة ) فهم الذين يوجهونهم في كل قضية .
٥ - طعن مشايخ الصحوة ! بهيئة كبار العلماء ، واتهامهم بالمداهنة ، والسكوت ، أو الإسكات ، وعدم فقه الواقع ، وعدم التواضع للشباب ، وفتح أبواب مكاتبهم وبيوتهم ومساجدهم لهم ، ومن ثم يسقط هؤلاء العلماء الكبار من أعين الشباب الصغار ، فلا يلتفتون إلى أهل العلم الكبار ، وتوجيهاتهم .
وفي نفس الوقت ( نفْخ ) هؤلاء المشايخ والرموز بجعلهم هم فقهاء الواقع ، وهم الشجعان في مواجهة الطغاة والحكام الظلمة ( والكفرة ) ، وهم أهل التحقيق والتدقيق في قضايا ولاة الأمر ، والجهاد ، والتكفير ، والحاكمية !
٦ - تشويه المنهج السلفي في باب ولاة الأمور باتهامه بأنه إرجاء مع الحكام !
٧ - الأفكار الدخيلة ، والتهييج السياسي على ولاة الأمور بذكر معايب الولاة ، وتصيد أخطائهم عن طريق الكتب الحركية ، والسياسية ، والأشرطة ، والإنترنت مما يربي في الشباب المتحمِّس البغض لولاة الأمور ، وإرادة الخروج عليهم !
٨ - تجرئة الشباب على التفرد بآرائهم واجتهاداتهم في مسائل الولاة ، والتكفير ، والحاكمية ، والجهاد ، وعدم الالتفات لتوجيهات العلماء الربانيين من الأئمة السلفيين ، فهم رجال ، ونحن رجال !هذه من أهم الأسباب ، والله أعلم " .
- ونقل لنا مشرف الموقع وهو من حملة الدكتوراه نقلًا ماتعًا عن أحد العلماء - حفظه الله - ؛ حيث وصف الداء والدواء فيه :
" ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي للأمة معرفته ، ثم ردمه " .
وللاستزادة يرجى الرجوع لهذا الرابط :
http://www.rabee.net/ar/books.php?cat=3&id=65
ولعلي أقوم بنشره كاملًا في مشاركة مستقلة ، فقد أجاد فيه ، وأفاد ، حفظه الله ورعاه .
- وعودًا على المشاركات ، فقد قال أحد المشاركين :
" يستمدون أفكارهم من :
١ - الهوى والطمع وحب الدنيا ؛ وهذا دليله إعتراض ذو الخويصرة على النبي - صلوات ربي وسلامه عليه - :( إعدل يا محمد فإنك لم تعدل ) ...!
٢ - ومن ثم يستدلون بالعمومات ؛ ولو نظر المتفحص لوجد أنهم ليسوا على شيئ ... " .
- وهذا مشارك يفيدنا بالمقال الآتي :
" الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده .
أود أن أضيف نقطة لا تخفى عليكم ؛ ولكنها من رؤوس الأسباب .
أيها الإخوة إن المضللين الذين يدعون الى هذه الأعمال المنافية للدين ، ولسنة محمد صلى الله عليه وسلم ، عمدوا إلى طريقة خبيثة ومنكرة ، طريقة أوقعوا بها الغشاوة على أعين الجهال والفرح في قلوب مرضا الأنفس .
إن شباب المسلمين لمّا كانوا لا يعمدون الى أمر ، أو رأي ؛ إلا ويرجعون به الى أكابر العلماء ، العلماء الربانيون ، الراسخون في العلم ، كان هذا عائقًا كبيرًا أمام طلاب الدنيا ، والسياسة ، والكراسي ، ومن في قلبه مرض الخروج ، وسفك دماء المسلمين ، فعمدوا الى اسقاط أئمة الهدى ، ومنابيع العلم الذين أمر الله بالرجوع إليهم في الخوف ، والأمن ، وعند فقد العلم في المسائل التي تواجههم .
فصاروا يلمزون العلماء ، ويخطئونهم ، ثم وصفهوهم بالجهل بالواقع ، وأنهم لا يعلمون إلا الحيض والنفاس ، ثم بدؤوا يعلمون الناس بأن علم الفقه والفرائض لهم ، وعلم السياسة والنوازل لغيرهم من الرويبضة ، ثم بدؤوا يتحاملون عليهم ويتهمونهم في دينهم ، حتى سقط الكثير من الشباب في الفخ العفن الذي نصبه لهم هؤلاء المضللون .
هنا صار هؤلاء الشباب لعبة في أيدٍ خبيثة توجههم الى منزلقات بعيدة عن الصراط الذي أمرهم الله باتباعه ، وترى تلك الوجوه بعضها بأتم زينته ؛ يتلقّف الفضائيات ، ويتنقّل حرًا بعد أن قسّم الشباب الذين معه الى أقسام ( فمنهم السجين ) ، و ( منهم الطريد ) ، و( من قتل نفسه ) ، وأما من لم يتم له الحوز على نصيب من الدنيا ؛ فهو هارب ، وطريد في الجبال ، مطلوب بإجرامه ، وقتل الأنفس التي حرّم الله : فمنها النفس المسلمة ، ومنها النفس المعاهده ، ومنها النفس المستأمنة .
اللهم أعد شباب المسلمين الى الصواب ، والسنة ، والالتفاف على العلماء الربانيين " .
- ومن المشاركات :
" عندما تكون في بلد ، لديها معتقداتها ( صحيحة كانت ، أو باطلة ) ثم يدخل فكر جديد ومعتقد جديد ، فماذا بربك تظن أن يقع ؟
هل تنتظر تقبيل الرؤوس ، أم تقطيعها ؟
بلد سلفي من مائتي سنة ، ثم يدخل عليه فكر وافد ، يرى أنه :
- مجتمع جاهلي .
- راية علمانية .
- يحارب الدعوة .
- يقيم صروح الربا .
بعد هذا ماذا تنتظر ؟
سنوات وهم يربون الشباب في المراكز الصيفية ، ومدارس تحفيظ القرآن التابعة لهم ، وفي مكتبات المساجد .
سنوات وهم يربون على النفرة من العلماء والحكام ؛ العلماء مداهنون والحكام لصوص ، وها نحن نجني الثمرة المُرَّة الآن " .
- وهذه كذلك مشاركة من أحدهم نقلتُها في نفس الموضوع :
" إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع لما نرى ونسمع من أحداث مؤلمة في بلدنا الحبيبة ، وتطور الفكر التكفيري وخروجه إلى حيز القتل والإرهاب في بلاد الحرمين ، في دولة التوحيد ، ومأرز الإيمان ، وبأيدي ثلة من شباب هذا البلد الطيب الطاهر ، وبعد أن كان أهله مجتمعين على دعوة الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله ، وطيب ثراه - تلك الدعوة السلفية الصافية ، والتي تسير على منهاج السلف الصالح ، داعية إلى التوحيد ، مباينة للشرك ، لا ترضى بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً ، حتى عم الأمن والأمان شتى ربوع هذه البلاد الطاهرة المباركة ، في ظل دولة آل السعود الميامين ، الذين لم تعرف كتب أئمة السلف ، وأسفار التوحيد طريقها إلى المطابع ، والنور ؛ إلا بفضل الله ، ثم بسببهم ، فعلى الله أجرهم ، وهو يثيبهم ، تبارك وتعالى .
أقول : إننا اليوم تكاد قلوبنا أن تتفطر لما نراه من اجتياح الأهواء لشبابنا ؛ حتى مزقت شملهم ، وأضعفت قواهم ، وبدل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم وأسوتهم ، استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وأصبح دعاة الفتنة ، وخطباء السوء يسحبون البساط من تحت أقدام العلماء ؛ ليتربعوا في قلوب الشباب ، ويفرِّخوا فيها ما شاءوا من الأفكار التي ما هي إلّا صدى للفكر الخارجي الذي حذّر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
لمثل هذا يموت القلب من كمدً ..
ومع ذلك كله فإن رحمة الله قريب ، والفرج إنما يأتي بعد الشدة ، ولا تزال بقية باقية ممن لا يرضون بالمنهج السلفي الصافي بديلاً ، وهم الطائفة الناجية المنصورة ، من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون ، فهؤلاء عليهم أن يسعوا في صلاح الناس وأصلاحهم ، ولا يمِلّوا ، ولا يكِلّوا ، ولا يقنطوا من رحمة الله ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ، ولا تثنيهم صيحات المخذلين ، ولا تكاسل المتكاسلين ؛ بل ولا حتى ما يرونه من استحكام الأثرة ، والعجب بالنفس والرأي ..
ولكن قبل الحديث عن العلاج ، لابد من معرفة مكمن الداء وأسبابه ؛ حتى يقع الدواء موقعه ، وهذه الأسباب ليست جديدة ؛ بل تكرّر وقوعها كثيرًا على مر التأريخ ، ونحن بإذن الله نستعرض أقرب ما وقع إلينا منها ، وهو ماحدث من أمور كبيرة الشبه بواقع شبابنا اليوم ، وفي نفس بلادنا ، ولنرى موقف علماء تلك الحقبة الزمنية القريبة منا من ذلك الافتراق الذي عصف بالأمة في زمنهم .
ذلك أنه قد خرج أناسٌ في زمن أئمة الدعوة يرومون إنكار المنكرات ، ويزعمون طلب الجهاد ، ويأخذون على ولاة أمرهم المآخذ ، ويرمونهم في مسألة الولاء والبراء بالعظائم ، مع سوء ظنهم بأكابر علماء زمانهم ، واتهامهم لهم بالمداهنة وحب الدنيا ، وإيثارها على الآخرة ، فكان من جراء هذه الأفكار الخاطئة أن فشى تكفير المسلمين وحكامهم ، وسوء الظن بعلمائهم ، والافتيات على ولاة الأمر في الجهاد ، والبيعة ، وغير ذلك من الأمور التي جعلها الشارع الحكيم من صلاحيات ولي أمر المسلمين ، فلا تسل عن حال المسلمين في ذلك الوقت من الخوف والهلع ، وضياع الحقوق ، وتعطيل الكثير من حلق العلم والدروس العلمية بسبب الانشغال بالحروب ، والنزاعات .
وحتى لا نطيل نسرد شيء مما ذكره أئمة الدعوة حول سبب من أعظم الأسباب التي أثمرت الفرقة والتحزب للأهواء في وقتهم :
قال العلامة سعد بن عتيق - رحمه الله - :
ومن أعظم أسباب التفرق والاختلاف ، والعدول عن طريق الحق والإنصاف : ما وقع من كثير من الناس ، من الافتاء في دين الله بغير علم ، والخوض في مسائل العلم بغير دراية ولا فهم ، فإن الله - تعالى - قد حرّم القول عليه بغير علم ، في أسمائه وصفاته ، وشرعه وأحكامه ، وجعل ذلك قريناً للشرك ، الذي هو أعظم المحرمات ، كما قال - تعالى - : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ، وقال - تعالى - : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) ، وقال - تعالى - : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في آخر الزمان ، من قبض العلم بذهاب أهله ، وظهور الجهل ، واتخاذ الناس من الجهلة المفتين بالفتوى المضلة .
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - : (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال ، ولكن بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤساء جهالًا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا )) .
وقال - تعالى - في هذا الصنف من الناس : ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) .
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من سن في الإسلام سنة حسنة ، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا )) .
ومما انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين :
الاستخفاف بولاية المسلمين ، والتساهل بمخالفة إمام المسلمين ، والخروج عن طاعته ، والافتيات عليه بالغزو ، وغيره ، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان ، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيمان . انتهى النقل من الدرر السنية ، المجلد التاسع .
قلت : فارجع بذهنك إلى واقعنا اليوم ، ثم انظر - رحمني الله وإياك - إلى بلادنا التي قد نصب ولي الأمر فيها هيئات عُليا للفتوى والشورى ، فيها علماء شابت لحاهم في خدمة الدين ، وتبليغه ، ونشره في الناس ، ولم يألوا نصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم - نحسبهم كذلك والله حسيبهم - ؛ بل وهم الذين قد أخذوا العلم بسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتضى الخواص والعوام فتاويهم ؛ ثم مع ذلك ترى ما يلي :
١ - أناسٌ لايتقون الله ، ولا يخافونه ، يطعنون فيهم ، ويلمزونهم ، ويصفونهم بالمداهنة في الدين ، فالله حسبنا عليهم ، والله يكيفنا شرهم ، ونسأل الله أن يهديهم ، فإن لم يشأ ذلك - تعالى - أن يقصم ظهورهم .
٢ - أناسٌ عرفوا شيئاً من العلوم ، وفتح الله عليهم في أجزاء منها ؛ فأرادوا أن يسحبوا البساط من تحت أقدام أولئك فأصدروا الفتوى تلو الفتوى ، والكتاب تلو الكتاب التي تصادم فتاويهم ؛ وكأنهم يقولون للشباب ( نحن القوم وإلا فلا ) ، فهؤلاء لهم نصيب مما تقدم من كلام الشيخ رحمه الله تعالى ؛ ومن هؤلاء وما أكثرهم من كان ( بغلة الشر ) حيث إنه لشهرته ، وذياع صيته في الناس ، قد سخر فتاويه لتسويغ عمليات القتل والإرهاب .
٣ - أناسٌ ارتضعوا لبان التكفير ، وتلوثت عقولهم وقلوبهم بزبالة أذهان منظروا الجماعات الحزبية المحدثة وكتبهم الفكرية ، وانغمسوا في حمأة الشبهات ، فأرادوا من غيرهم أن ينهل مما نهلوا منه من الضلال ؛ إذْ لم يستطيعوا تخليص أنفسهم منه ؛ فمن هؤلاء من أراد أن يشيط بدماء المسلمين في حرب الخليج ، حيث قاوموا فتوى الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في جواز الاستعانة بالكفار للضرورة بكل ما يستطيعونه ؛ حتى وصل الأمر ببعضهم إلى امتداح طاغوت العراق .
٤ - أناسٌ لا في العير و لا في النفير ،ولكنهم أتباع كل ناعق ، هم غلاء السعر ، وزحمة المِصر ، تجمعهم الطبل ، وتفرقهم العصا ، همجٌ رعاع ، سحرتهم الخطبة الرنانة ، والدمعة السيالة ، والعبرة المصطنعة ، فجعلوا من خطباء الفتنة أئمة ، ومن مهرجي المحاضرات علماء يرجع إليهم ، ويصدر عن رأيهم ، وزهدوا في كبار العلماء ، وأعرضوا عنهم ، فبمثل هؤلاء يخوف الحزبيون ، كل محب لمنهج السلف غير متمكن منه ، فيهيجونهم عليه ، ويؤلبونهم على العلماء ، وما فتنة مظاهرات ومسيرات أحداث ( دمج الرئاسة ) منا ببعيد .
ومن الأمثلة التي شهدها الجميع :
- أن يفتات الكثير من الشباب على ولي أمر المسلمين ، فيخرجون إلى الجهاد بغير إذنه ؛ بل حتى بدون إذن الوالدين ، مع أن قصارى هذا النوع من الجهاد أن يكون فرض عين على أهل البلد القائم فيه دون غيرهم .
- أن يقوم أحد المذيعين في إذاعة القرآن الكريم بإذاعة فتوى لأحد طلبة العلم ممن لا يعرفه بعض أهل بلدته ، والتي تناقض فتوى كبار أهل العلم كابن باز ، وابن عثيمين ، وآل الشيخ ، والفوزان ، وغيرهم من كبار أهل العلم ممن ارتضى ولي الأمر ، والمسلمين فتاويهم ؛ فأي جرأة من هذا المذيع ( رغم أنه من خارج هذه البلاد ) بلغت به أن يذيع في قناة رسمية للدولة ، ناطقة باسمها ؛ فتوى تثير الفتنة ، وتقلِّل من هيبة ولاة الأمر من الحكام ، والعلماء في نفوس الناس .
- أن يفتي سماحة الشيخ : آل الشيخ بفتوى خلال برنامج حملة خادم الحرمين - سدده الله وشفاه - للتبرع إلى الإخوة في فلسطين بفتوى ، فيقول المذيع في التلفاز بعدها مباشرة وهو يراه الملايين ( مع أنه دكتور الجامعة ، والداعية المعروف ) يقول بعدها مباشرة : لا . كذا وكذا ، أي أنه نقض فتوى أكبر مرجعية علمية في بلاده ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟
- أن يفتي كبار أهل العلم بتحريم المظاهرات كابن باز ، وابن عثيمين ، وآل الشيخ ، والفوزان ، وغيرهم بتحريم المظاهرات ، ومع ذلك يخرج بعض من يزعم الإصلاح ؛ بل الغفلة ، ويفتون بجوازها على شاشات التلفاز ، وفي الإذاعة ، وأحسنهم حالاً ؛ بل ( تقية ) من أجازها خارج السعودية ، أما داخلها فلنا وضع خاص ( آلله أمركم بهذا أم على الله تفترون ) !!
وأشد من ذلك أن يخرج أحد الخطباء في الشرقية يطيف بالجهلة الرعاع الشوارع في مظاهرة حاشدة كانت مثار دهشة العاقل ، ومحط سخرية الناقد .
- أن يبقى في مكتبات جامعاتنا الإسلامية أشرطة فيديو ، ومحاضرات ، فيها الفتوى التي تثير الفتنة ، وتهدم كل فتوى لعلمائنا الأفذاذ خاصة ما يتعلق بالجهاد ، ونحوه من الأمور المصيرية ، ولك أن تدخل مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ؛ لترى شريطًا لفلان الذي يرى أن الجهاد فرض عين على كل مسلم ، فلا يُلام شبابنا المساكين الذين تدفعهم الحماسة للدين لأمور وخيمة مادمنا لم نحكم منافذ الفتنة من الوصول إليهم ، والتأثير فيهم .
- أن يقوم أناس ممن ينتسبون إلى العلم بالتقديم لكتب أناس لايعرفون إلا في الفتن ، مع دوران هذه الكتب على تكفير المجتمعات والحكام ، وإساءة الظن بعلماء المسلمين .
من كل ما تقدم تعرف - حماني الله وإياك - أن من أعظم أسباب الفرقة والاختلاف أن يتصدر للفتوى أناسٌ ليسوا بأهل لها ، أو ممن يملكون علمًا ؛ لكن يشغبون بهذه الفتاوى على ولاة الأمر ، وكبار العلماء لحاجة في نفس يعقوب ؛ ونحن نقول لهؤلاء وأمثالهم ، إما أن تكون الفتوى الصادرة منكم ، و المضادة لفتاوى كبار أهل العلم صحيحة ، ودليلكم فيها إجماع أهل العلم ، وأن غيركم من كبار أهل العلم قد أخطأ ، فارجعوا إليهم وناقشوهم ، ولا تثيروا العامة وصغار الطلبة عليهم ، وتحطّوا من مكانتهم لأجل ذلك .
وإن كانت الفتوى منكم من باب المختلف فيه ، فمادام ولي الأمر قد نصّب أولئك ، واختار فتواهم على ما تفتون به ؛ فإن قوله يفصل في المسألة ، وعوام المسلمين ، ومصالح الدولة تبعٌ له ينظر فيها بالصالح ، فلماذا تسرِّبون الفتوى تلو الفتوى ؛ لتطير بها الركبان في كل قطر ومصر مشاقة لجماعة المسلمين وإمامهم ؟!
وليس لأحد أن يعتذر بما يراه من المنكرات والمعاصي المتفشية ، قال أئمة الدعوة - رحمهم الله - :
.. وأما ما قد يقع من ولاة الأمور ، من المعاصي والمخالفات ، التي لا توجب الكفر ، والخروج من الإسلام ، فالواجب فيها :
مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق ، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ،ومجامع الناس .
واعتقاد أن ذلك من المنكر الواجب إنكاره على العباد ، وهذا غلط فاحش ، وجهل ظاهر ، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه ، من المفاسد العظام في الدين والدنيا ، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه ، وعرف طريقة السلف الصالح ، وأئمة الدين . [ الدرر السنية ٩ : ١١٩ ] " .
- وهذا مشارك - أيضًا - :
" ولا ننس الأشرطة في التسجيلات الإسلامية لأهل الضلال ؛ ومنها ما يسمى زورًا الأناشيد الإسلامية ( البدعية المهيجة ) " .
- وهنا مشاركة أخرى لكاتب آخر :
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
واقع اليم نعيشه بين الفينة والأخرى ؛ ففي كل يوم يخرج علينا أهل الغلو والتطرف والضلال بفتنة تلو الأخرى وهاهنا يذوب القلب من كمد على ما يفعله هؤلاء الأغمار ، وهاهم يسقطون واحدا تلو الآخر كما بشرهم بذلك مشايخ الظلم والضلال أصحاب الفتاوى الليلية والدهاليز المظلمة ، فأسقطوا أبناءنا في هذا الوحل المنتن بعد سقوط منهجهم الهدام ، نعم إنهم مشايخ الظلماء أصحاب الدهاليز الليلية هم من يذكي نار الفتنة، في كل ليلة يجتمعون على الضلالة ويبثون سمومهم في عقول هؤلاء الأغمار صغار العلم والفهم ، ثم يتفرقون عنهم وقد وقعوا في شراك الفتنة وخرجوا يسعون إلى التفجير والدمار سعيا حثيثا، يسيرون ومنهج الخروج والشيطان في ركبهم ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
وما زال من بيننا سماعون لهم مشيعون لأفكارهم مروجون لغثائهم في المنتديات والمواقع الهدامة المعروفة ، فهذا الواقع ؛ لا بد له من دافع بإذن الله .
لقد سقط ثلة من الشباب المنحرف عن الحق شرعًا وعقلًا صرعى عند جدار القنصلية فهم قد قدموا للموت تسوقهم تلك الفتاوى الظالمة منادين باسم الجهاد - زعموا - ، داعين للضلال المبين والانحراف عن الصراط المستقيم .
لقد ألصقوا بالإسلام ظلمًا وزورًا تلك الأفعال المشينة فماذا وراء كل هذا غير زعزعة الأمن والأمان في هذه البلاد ، ولكن عقولهم لا ترتقي إلى ما نقول .
إذن ، لا بد من التفريق بين المروّج لهذا المنهج الغاشم الظالم وبين من يصطلي بناره ألا وهو المنفذ ، فعلينا أن نقطع دابر ذلك الذي يبث تلك السموم في عقول أبنائنا أيًا كان اسمه ورسمه ، فهاهو اليوم متكئًا على أريكته يرى ثمار فتواه في بلادنا ، وفي أبنائنا .
يجب علينا والحالة هذه الكشف عن هؤلاء الذين يشجعون أبناءنا على الجهاد المزعوم الذي لا نشك قيد أنملة أنه أسس على هوى وعاطفة وضلال وانحراف وكان بعيدًا كل البعد عن المنهج العقلي والشرعي ، فترى مشايخ الدهاليز الظلماء يفتون ويتملقون ويلوون ألسنتهم بهذا الفكر المنحرف ويصبغونه صبغة شرعية تنطلي على هؤلاء الأغمار .
ونحن وإياكم لم نسمع في يوم من الأيام أن منهم من قدم ابنه في سبيل الله كما يزعمون حتى يوصله إلى الجنة كما يغري أبناءنا .
ومما يدمي القلب أيضًا أن تجد من المشايخ ومن عامة الناس من يتعاطف مع هؤلاء ، يبرر أفعالهم تارة ، ويعتذر لهم على شاشة الفضائيات تارة أخرى ، ويصفهم بأنهم ظُلموا وقهروا وأنهم ... وأنهم ...
ثم بعد أيام قلائل يقلب لهم ظهر المجن فيعود محلِّلًا تارة ، ومفسِّرًا تارة ، ومهيِّجًا تارة أخرى ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وأعود فأقول :
يجب علينا بتر هذه الفتنة من أسها ، وقطع دابرها ، ولا يكون ذلك إلا بالوقوف في وجه كل مهيج مضلل مضيع لأبنائنا بتلك الفتاوى والمناهج الهدامة أيا كان ، ونحن ولله الحمد نعلم علم اليقين أن دابر هؤلاء مقطوع بإذن الله ، ثم بجهد المخلصين من أبناء هذه البلاد ، ولكن يجب أن نعلم أن هناك من يذكي هذه النار ، ويزيدها اشتعالًا ألا وهم مشايخ الدهاليز الليلية ، وإلا فنحن نعلم علم اليقين بأن هؤلاء الأغمار الصغار الذين نهجوا ، وسلكوا مسالك الفجار جهلاء من أعلى رأسهم إلى أخمص أقدامهم ، ليس فيهم طالب علم فضلًا عن عالم ، فلم يطرق أسماعنا أنه كان معهم عالم واحد منذ بداية بروز هذا المنهج في الأزمان السالفة .
ولذلك فإننا لن نجد عند جدار القنصلية ، ولا في المحيا ، ولا غيرها من الأماكن التي استهدفتها أفعالهم الآثمة أحدًا ممن يشار إليه بأن عنده مسحة من علم .
إذن ، فقد اجتمع مع الجهل بقواعد الشرع الهوى ، وسمّه إن شئت العاطفة العمياء التي تسقى من فتاوى أصحاب الدهاليز الظلماء ، فتقودهم إلى هذا الطريق المشين الذي فيه من العدوان والضلال ما فيه ، فقد أعلنوا الخروج على الشرع ، والبلاد والعباد ، وسفكوا الدماء المعصومة ، فحسبنا الله ونعم الوكيل على من أفتاهم ، ورباهم هذه التربية الخارجية التي جعلت هذا الواقع الأليم جزءًا من حياتنا .
وأخيرًا أقول :
فلنسلط الأضواء الكاشفة على تلك الدهاليز الليلية لنرى أولئك المشايخ - زعموا - الذين يسعون ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا لبث بذور الفتنة باسم الدين ، وكم حذر العلماء الفضلاء والأخيار من هذه الفتن قبل عشرات السنين ، ولكن هذا هو الواقع ولسان الحال يقول :
قد كان ما خشيت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا " .
وهكذا ترى أيها القارئ الكريم الجواب الصريح الصحيح على التساؤل الذي طرحته في تلك الفترة العصيبة ، ولا زلنا نعاني من تبعاته إلى يومنا هذا .. والله المستعان ، وعليه التكلان .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن والاه .
فنشأت الناشئة على أن سيد قطب والمودودي الشهيدان ، واقبال الشاعر الثائر " .
- وفي تفصيل أكثر ، أوضح مشارك آخر الفكرة :
" لقد بدأ أهل التهييج بتهييجهم منذ فترة طويلة ؛ ولكن كلما ظهر لهم قرن قلعه العلماء ، واطمأن الناس لمقالات العلماء ، فغاض هذا أهل التهييج والتكفير والتفجير .
فجندوا بعض من تربوا في أحضانهم ، وأرضعوهم أفكار الخوارج ؛ ليكسبوا ثقة الناس .
فهبّ أولئك النفر ، واستغلوا المواعظ والقصص ؛ ليلفتوا انظار الناس ، ويكسبوا ثقتهم .
وأكثر شيء استغله الحزبيون لنشر باطلهم :
١ - الشريط ، ٢ - الكتيّب ، ٣ - المطوية ؛ لأنها سريعة الانتشار .
فالواجب أن يستعملها أهل السنة ضدهم ؛ حيث أفنى المهيّجون الجدد جهوداً كبيرة في سبيل نيل ثقة العامة ، وفعلاً وللأسف اغترّ بهم من اغترّ ، فأصبحوا ينادونهم الشيخ فلان ، ويطلبون أرقامهم ؛ ليفتوهم إذا احتاجوا ، وأخذوا يوزعون أرقامهم يمنة ويسرة .
وإذا ما بيّنت ضلال هذه الأفاعي هبّ العامة غاضبين ، وحجتهم ( يكفي انهم اهتدى على أيديهم نفر كثير ) !
وبعد ان أحكموا القبضة على عقول الشريحة الكبيرة من العامة ، انتقلوا إلى الخطوة الثانية :
فأخذوا يدرسون المتون ، ويتجرؤون على كبارها ويشرحونها ؛ حتى يكسبوا أنفسهم صفة طلاب العلم ؛ بل والمشايخ بحق ، ويروّجوا لكتب المفكر الفلاني ، الصادع بالحق ، الذي قتل شهيدًا - على حسب زعمهم - ويدسون السُّمّ في الدّسم ، فيزرعون ، ويبذرون بذور الخروج في شباب جدد لعلهم يخلفونهم في باطلهم ، ويستغلون ما يحدث فيتكلمون في كل شيء ، يجمعون قصاصات الأوراق ويدرسونها في بعض المساجد ؛ بل ويعلقون عليها ؛ حتى أصبح بعض الناس يقول : الشيخ فلان عالم يهتم بأمور المسلمين ، فكلما قرعت قارعة نظروا ماذا يقول الشيخ فلان !
وجاءتهم فرصتهم في حرب الخليج ؛ فظهروا على حقيقتهم وعادوا إلى طبيعتهم ( مهيّجون ) ، فامتطوا صهوة العاطفة ، فانعطفوا بالناس عن الحق المستقيم .
فلمّا قمع العلماء شُبههم ، واقتلعوا قرنهم ، اخذوا ينفِّذون الخطوة الثالثة :
ألا وهي التشكيك في العلماء ، فتارة يُصَنَفُ العلماء الربانيّون بأنهم علماء حيض ونفاس ، وتارة يغمز من طرف خفي بأنهم لايستطيعون الصدع بالحق ؛ بل إنهم - زعموا - أن العلماء يفتون للحكام ، ومن ثم يصرِّح بعضهم أنه قد أثبتت الفتنة ، وكشفت أنه ماعادت للمسلمين مرجعية معتمدة معتبرة يرجعون إليها !
فلمّا انقاد بعضهم وراءهم كالبهائم ، واطمأنوا أن الأمة الإسلامية قد تجرّعت السم ، وأنهم قد استطاعوا خلع ثقة - ، ولو بعض - الناس في علمائهم ؛ خلعوا ثياب الحمل الوديع ، وعادوا إلى أصلهم ، واتبعوا طريقتهم ، وانقلبوا يطعنون في العلماء ، فألفوا بأن من العلماء من عقيدته عقيدة المرجئة ، وأن من العلماء من هو بوق لحكام إحدى الدول ، وسلّطوا السفاء بجرأتهم هذه على أن ينالوا من العلماء !
ومن ثم عادوا بعد أداء المهمة بنجاح - ولو كان قليلًا - للتهييج ، فولّدوا بصنيعهم هذا مسوخًا تعتدّ برأيها ، وتتقدم على كلام العلماء ، وإذا لم يتقدموا ؛ عقّبوا ، وعلّقوا على كلامهم ، وخطّؤوا من لم يوافق هواهم ، وأوّلوا كلام من لا يستطيعون المجاهرة بتخطئته !
وبعد فترة انتكست فطرهم - والعياذ بالله - فهان عليهم مدّ جسور التفاهم والعذر للرافضة ، والعلمانيين ، وغيرهم من أعداء الملة ، وما هان عليهم قَبلُ أن يفهموا كلام أهل العلم ؛ حيث كالوا لهم الاتهامات في العقائد ، والإخلاص !
وهؤلاء قد اعتمدوا - كما هو حال أهل البدع دومًا - على العمومات ، ونبذوا تفصيلات أمناء الإسلام ، ممن قال الله فيهم أنهم هم أشد الخشية له من أهل الأرض ، واختصهم النبي بميراثه " .
- وأفاد ثالث :
" استمد المفجرون أفكارهم من أشياء كثيرة منها :
١ - كتب سيد قطب رحمه الله وخصوصاً كتاب ( معالم في الطريق ) الذي يتضح فيه الدعوة إلى الخروج ، ومذهب الخوارج .
٢ - أُبعِد الشباب عن علمائهم الكبار .
٣ - الجهل بمنهج السلف الصالح مع ولاة الأمور من حيث السمع والطاعة ، والبيعة لهم ، وعدم الخروج عليهم ، والجهل بمنهجهم في باب التكفير .
٤ - تعلّق الشباب بـ ( الشباب = مشايخ الصحوة الحركيين وغيرهم من أرباب الجماعات الضالة ) فهم الذين يوجهونهم في كل قضية .
٥ - طعن مشايخ الصحوة ! بهيئة كبار العلماء ، واتهامهم بالمداهنة ، والسكوت ، أو الإسكات ، وعدم فقه الواقع ، وعدم التواضع للشباب ، وفتح أبواب مكاتبهم وبيوتهم ومساجدهم لهم ، ومن ثم يسقط هؤلاء العلماء الكبار من أعين الشباب الصغار ، فلا يلتفتون إلى أهل العلم الكبار ، وتوجيهاتهم .
وفي نفس الوقت ( نفْخ ) هؤلاء المشايخ والرموز بجعلهم هم فقهاء الواقع ، وهم الشجعان في مواجهة الطغاة والحكام الظلمة ( والكفرة ) ، وهم أهل التحقيق والتدقيق في قضايا ولاة الأمر ، والجهاد ، والتكفير ، والحاكمية !
٦ - تشويه المنهج السلفي في باب ولاة الأمور باتهامه بأنه إرجاء مع الحكام !
٧ - الأفكار الدخيلة ، والتهييج السياسي على ولاة الأمور بذكر معايب الولاة ، وتصيد أخطائهم عن طريق الكتب الحركية ، والسياسية ، والأشرطة ، والإنترنت مما يربي في الشباب المتحمِّس البغض لولاة الأمور ، وإرادة الخروج عليهم !
٨ - تجرئة الشباب على التفرد بآرائهم واجتهاداتهم في مسائل الولاة ، والتكفير ، والحاكمية ، والجهاد ، وعدم الالتفات لتوجيهات العلماء الربانيين من الأئمة السلفيين ، فهم رجال ، ونحن رجال !هذه من أهم الأسباب ، والله أعلم " .
- ونقل لنا مشرف الموقع وهو من حملة الدكتوراه نقلًا ماتعًا عن أحد العلماء - حفظه الله - ؛ حيث وصف الداء والدواء فيه :
" ينبوع الفتن والأحداث الذي ينبغي للأمة معرفته ، ثم ردمه " .
وللاستزادة يرجى الرجوع لهذا الرابط :
http://www.rabee.net/ar/books.php?cat=3&id=65
ولعلي أقوم بنشره كاملًا في مشاركة مستقلة ، فقد أجاد فيه ، وأفاد ، حفظه الله ورعاه .
- وعودًا على المشاركات ، فقد قال أحد المشاركين :
" يستمدون أفكارهم من :
١ - الهوى والطمع وحب الدنيا ؛ وهذا دليله إعتراض ذو الخويصرة على النبي - صلوات ربي وسلامه عليه - :( إعدل يا محمد فإنك لم تعدل ) ...!
٢ - ومن ثم يستدلون بالعمومات ؛ ولو نظر المتفحص لوجد أنهم ليسوا على شيئ ... " .
- وهذا مشارك يفيدنا بالمقال الآتي :
" الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده .
أود أن أضيف نقطة لا تخفى عليكم ؛ ولكنها من رؤوس الأسباب .
أيها الإخوة إن المضللين الذين يدعون الى هذه الأعمال المنافية للدين ، ولسنة محمد صلى الله عليه وسلم ، عمدوا إلى طريقة خبيثة ومنكرة ، طريقة أوقعوا بها الغشاوة على أعين الجهال والفرح في قلوب مرضا الأنفس .
إن شباب المسلمين لمّا كانوا لا يعمدون الى أمر ، أو رأي ؛ إلا ويرجعون به الى أكابر العلماء ، العلماء الربانيون ، الراسخون في العلم ، كان هذا عائقًا كبيرًا أمام طلاب الدنيا ، والسياسة ، والكراسي ، ومن في قلبه مرض الخروج ، وسفك دماء المسلمين ، فعمدوا الى اسقاط أئمة الهدى ، ومنابيع العلم الذين أمر الله بالرجوع إليهم في الخوف ، والأمن ، وعند فقد العلم في المسائل التي تواجههم .
فصاروا يلمزون العلماء ، ويخطئونهم ، ثم وصفهوهم بالجهل بالواقع ، وأنهم لا يعلمون إلا الحيض والنفاس ، ثم بدؤوا يعلمون الناس بأن علم الفقه والفرائض لهم ، وعلم السياسة والنوازل لغيرهم من الرويبضة ، ثم بدؤوا يتحاملون عليهم ويتهمونهم في دينهم ، حتى سقط الكثير من الشباب في الفخ العفن الذي نصبه لهم هؤلاء المضللون .
هنا صار هؤلاء الشباب لعبة في أيدٍ خبيثة توجههم الى منزلقات بعيدة عن الصراط الذي أمرهم الله باتباعه ، وترى تلك الوجوه بعضها بأتم زينته ؛ يتلقّف الفضائيات ، ويتنقّل حرًا بعد أن قسّم الشباب الذين معه الى أقسام ( فمنهم السجين ) ، و ( منهم الطريد ) ، و( من قتل نفسه ) ، وأما من لم يتم له الحوز على نصيب من الدنيا ؛ فهو هارب ، وطريد في الجبال ، مطلوب بإجرامه ، وقتل الأنفس التي حرّم الله : فمنها النفس المسلمة ، ومنها النفس المعاهده ، ومنها النفس المستأمنة .
اللهم أعد شباب المسلمين الى الصواب ، والسنة ، والالتفاف على العلماء الربانيين " .
- ومن المشاركات :
" عندما تكون في بلد ، لديها معتقداتها ( صحيحة كانت ، أو باطلة ) ثم يدخل فكر جديد ومعتقد جديد ، فماذا بربك تظن أن يقع ؟
هل تنتظر تقبيل الرؤوس ، أم تقطيعها ؟
بلد سلفي من مائتي سنة ، ثم يدخل عليه فكر وافد ، يرى أنه :
- مجتمع جاهلي .
- راية علمانية .
- يحارب الدعوة .
- يقيم صروح الربا .
بعد هذا ماذا تنتظر ؟
سنوات وهم يربون الشباب في المراكز الصيفية ، ومدارس تحفيظ القرآن التابعة لهم ، وفي مكتبات المساجد .
سنوات وهم يربون على النفرة من العلماء والحكام ؛ العلماء مداهنون والحكام لصوص ، وها نحن نجني الثمرة المُرَّة الآن " .
- وهذه كذلك مشاركة من أحدهم نقلتُها في نفس الموضوع :
" إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع لما نرى ونسمع من أحداث مؤلمة في بلدنا الحبيبة ، وتطور الفكر التكفيري وخروجه إلى حيز القتل والإرهاب في بلاد الحرمين ، في دولة التوحيد ، ومأرز الإيمان ، وبأيدي ثلة من شباب هذا البلد الطيب الطاهر ، وبعد أن كان أهله مجتمعين على دعوة الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله ، وطيب ثراه - تلك الدعوة السلفية الصافية ، والتي تسير على منهاج السلف الصالح ، داعية إلى التوحيد ، مباينة للشرك ، لا ترضى بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بديلاً ، حتى عم الأمن والأمان شتى ربوع هذه البلاد الطاهرة المباركة ، في ظل دولة آل السعود الميامين ، الذين لم تعرف كتب أئمة السلف ، وأسفار التوحيد طريقها إلى المطابع ، والنور ؛ إلا بفضل الله ، ثم بسببهم ، فعلى الله أجرهم ، وهو يثيبهم ، تبارك وتعالى .
أقول : إننا اليوم تكاد قلوبنا أن تتفطر لما نراه من اجتياح الأهواء لشبابنا ؛ حتى مزقت شملهم ، وأضعفت قواهم ، وبدل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم وأسوتهم ، استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وأصبح دعاة الفتنة ، وخطباء السوء يسحبون البساط من تحت أقدام العلماء ؛ ليتربعوا في قلوب الشباب ، ويفرِّخوا فيها ما شاءوا من الأفكار التي ما هي إلّا صدى للفكر الخارجي الذي حذّر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
لمثل هذا يموت القلب من كمدً ..
ومع ذلك كله فإن رحمة الله قريب ، والفرج إنما يأتي بعد الشدة ، ولا تزال بقية باقية ممن لا يرضون بالمنهج السلفي الصافي بديلاً ، وهم الطائفة الناجية المنصورة ، من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون ، فهؤلاء عليهم أن يسعوا في صلاح الناس وأصلاحهم ، ولا يمِلّوا ، ولا يكِلّوا ، ولا يقنطوا من رحمة الله ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ، ولا تثنيهم صيحات المخذلين ، ولا تكاسل المتكاسلين ؛ بل ولا حتى ما يرونه من استحكام الأثرة ، والعجب بالنفس والرأي ..
ولكن قبل الحديث عن العلاج ، لابد من معرفة مكمن الداء وأسبابه ؛ حتى يقع الدواء موقعه ، وهذه الأسباب ليست جديدة ؛ بل تكرّر وقوعها كثيرًا على مر التأريخ ، ونحن بإذن الله نستعرض أقرب ما وقع إلينا منها ، وهو ماحدث من أمور كبيرة الشبه بواقع شبابنا اليوم ، وفي نفس بلادنا ، ولنرى موقف علماء تلك الحقبة الزمنية القريبة منا من ذلك الافتراق الذي عصف بالأمة في زمنهم .
ذلك أنه قد خرج أناسٌ في زمن أئمة الدعوة يرومون إنكار المنكرات ، ويزعمون طلب الجهاد ، ويأخذون على ولاة أمرهم المآخذ ، ويرمونهم في مسألة الولاء والبراء بالعظائم ، مع سوء ظنهم بأكابر علماء زمانهم ، واتهامهم لهم بالمداهنة وحب الدنيا ، وإيثارها على الآخرة ، فكان من جراء هذه الأفكار الخاطئة أن فشى تكفير المسلمين وحكامهم ، وسوء الظن بعلمائهم ، والافتيات على ولاة الأمر في الجهاد ، والبيعة ، وغير ذلك من الأمور التي جعلها الشارع الحكيم من صلاحيات ولي أمر المسلمين ، فلا تسل عن حال المسلمين في ذلك الوقت من الخوف والهلع ، وضياع الحقوق ، وتعطيل الكثير من حلق العلم والدروس العلمية بسبب الانشغال بالحروب ، والنزاعات .
وحتى لا نطيل نسرد شيء مما ذكره أئمة الدعوة حول سبب من أعظم الأسباب التي أثمرت الفرقة والتحزب للأهواء في وقتهم :
قال العلامة سعد بن عتيق - رحمه الله - :
ومن أعظم أسباب التفرق والاختلاف ، والعدول عن طريق الحق والإنصاف : ما وقع من كثير من الناس ، من الافتاء في دين الله بغير علم ، والخوض في مسائل العلم بغير دراية ولا فهم ، فإن الله - تعالى - قد حرّم القول عليه بغير علم ، في أسمائه وصفاته ، وشرعه وأحكامه ، وجعل ذلك قريناً للشرك ، الذي هو أعظم المحرمات ، كما قال - تعالى - : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ، وقال - تعالى - : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) ، وقال - تعالى - : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في آخر الزمان ، من قبض العلم بذهاب أهله ، وظهور الجهل ، واتخاذ الناس من الجهلة المفتين بالفتوى المضلة .
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - : (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال ، ولكن بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤساء جهالًا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا )) .
وقال - تعالى - في هذا الصنف من الناس : ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) .
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من سن في الإسلام سنة حسنة ، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا )) .
ومما انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين :
الاستخفاف بولاية المسلمين ، والتساهل بمخالفة إمام المسلمين ، والخروج عن طاعته ، والافتيات عليه بالغزو ، وغيره ، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان ، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيمان . انتهى النقل من الدرر السنية ، المجلد التاسع .
قلت : فارجع بذهنك إلى واقعنا اليوم ، ثم انظر - رحمني الله وإياك - إلى بلادنا التي قد نصب ولي الأمر فيها هيئات عُليا للفتوى والشورى ، فيها علماء شابت لحاهم في خدمة الدين ، وتبليغه ، ونشره في الناس ، ولم يألوا نصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم - نحسبهم كذلك والله حسيبهم - ؛ بل وهم الذين قد أخذوا العلم بسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتضى الخواص والعوام فتاويهم ؛ ثم مع ذلك ترى ما يلي :
١ - أناسٌ لايتقون الله ، ولا يخافونه ، يطعنون فيهم ، ويلمزونهم ، ويصفونهم بالمداهنة في الدين ، فالله حسبنا عليهم ، والله يكيفنا شرهم ، ونسأل الله أن يهديهم ، فإن لم يشأ ذلك - تعالى - أن يقصم ظهورهم .
٢ - أناسٌ عرفوا شيئاً من العلوم ، وفتح الله عليهم في أجزاء منها ؛ فأرادوا أن يسحبوا البساط من تحت أقدام أولئك فأصدروا الفتوى تلو الفتوى ، والكتاب تلو الكتاب التي تصادم فتاويهم ؛ وكأنهم يقولون للشباب ( نحن القوم وإلا فلا ) ، فهؤلاء لهم نصيب مما تقدم من كلام الشيخ رحمه الله تعالى ؛ ومن هؤلاء وما أكثرهم من كان ( بغلة الشر ) حيث إنه لشهرته ، وذياع صيته في الناس ، قد سخر فتاويه لتسويغ عمليات القتل والإرهاب .
٣ - أناسٌ ارتضعوا لبان التكفير ، وتلوثت عقولهم وقلوبهم بزبالة أذهان منظروا الجماعات الحزبية المحدثة وكتبهم الفكرية ، وانغمسوا في حمأة الشبهات ، فأرادوا من غيرهم أن ينهل مما نهلوا منه من الضلال ؛ إذْ لم يستطيعوا تخليص أنفسهم منه ؛ فمن هؤلاء من أراد أن يشيط بدماء المسلمين في حرب الخليج ، حيث قاوموا فتوى الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في جواز الاستعانة بالكفار للضرورة بكل ما يستطيعونه ؛ حتى وصل الأمر ببعضهم إلى امتداح طاغوت العراق .
٤ - أناسٌ لا في العير و لا في النفير ،ولكنهم أتباع كل ناعق ، هم غلاء السعر ، وزحمة المِصر ، تجمعهم الطبل ، وتفرقهم العصا ، همجٌ رعاع ، سحرتهم الخطبة الرنانة ، والدمعة السيالة ، والعبرة المصطنعة ، فجعلوا من خطباء الفتنة أئمة ، ومن مهرجي المحاضرات علماء يرجع إليهم ، ويصدر عن رأيهم ، وزهدوا في كبار العلماء ، وأعرضوا عنهم ، فبمثل هؤلاء يخوف الحزبيون ، كل محب لمنهج السلف غير متمكن منه ، فيهيجونهم عليه ، ويؤلبونهم على العلماء ، وما فتنة مظاهرات ومسيرات أحداث ( دمج الرئاسة ) منا ببعيد .
ومن الأمثلة التي شهدها الجميع :
- أن يفتات الكثير من الشباب على ولي أمر المسلمين ، فيخرجون إلى الجهاد بغير إذنه ؛ بل حتى بدون إذن الوالدين ، مع أن قصارى هذا النوع من الجهاد أن يكون فرض عين على أهل البلد القائم فيه دون غيرهم .
- أن يقوم أحد المذيعين في إذاعة القرآن الكريم بإذاعة فتوى لأحد طلبة العلم ممن لا يعرفه بعض أهل بلدته ، والتي تناقض فتوى كبار أهل العلم كابن باز ، وابن عثيمين ، وآل الشيخ ، والفوزان ، وغيرهم من كبار أهل العلم ممن ارتضى ولي الأمر ، والمسلمين فتاويهم ؛ فأي جرأة من هذا المذيع ( رغم أنه من خارج هذه البلاد ) بلغت به أن يذيع في قناة رسمية للدولة ، ناطقة باسمها ؛ فتوى تثير الفتنة ، وتقلِّل من هيبة ولاة الأمر من الحكام ، والعلماء في نفوس الناس .
- أن يفتي سماحة الشيخ : آل الشيخ بفتوى خلال برنامج حملة خادم الحرمين - سدده الله وشفاه - للتبرع إلى الإخوة في فلسطين بفتوى ، فيقول المذيع في التلفاز بعدها مباشرة وهو يراه الملايين ( مع أنه دكتور الجامعة ، والداعية المعروف ) يقول بعدها مباشرة : لا . كذا وكذا ، أي أنه نقض فتوى أكبر مرجعية علمية في بلاده ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟
- أن يفتي كبار أهل العلم بتحريم المظاهرات كابن باز ، وابن عثيمين ، وآل الشيخ ، والفوزان ، وغيرهم بتحريم المظاهرات ، ومع ذلك يخرج بعض من يزعم الإصلاح ؛ بل الغفلة ، ويفتون بجوازها على شاشات التلفاز ، وفي الإذاعة ، وأحسنهم حالاً ؛ بل ( تقية ) من أجازها خارج السعودية ، أما داخلها فلنا وضع خاص ( آلله أمركم بهذا أم على الله تفترون ) !!
وأشد من ذلك أن يخرج أحد الخطباء في الشرقية يطيف بالجهلة الرعاع الشوارع في مظاهرة حاشدة كانت مثار دهشة العاقل ، ومحط سخرية الناقد .
- أن يبقى في مكتبات جامعاتنا الإسلامية أشرطة فيديو ، ومحاضرات ، فيها الفتوى التي تثير الفتنة ، وتهدم كل فتوى لعلمائنا الأفذاذ خاصة ما يتعلق بالجهاد ، ونحوه من الأمور المصيرية ، ولك أن تدخل مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ؛ لترى شريطًا لفلان الذي يرى أن الجهاد فرض عين على كل مسلم ، فلا يُلام شبابنا المساكين الذين تدفعهم الحماسة للدين لأمور وخيمة مادمنا لم نحكم منافذ الفتنة من الوصول إليهم ، والتأثير فيهم .
- أن يقوم أناس ممن ينتسبون إلى العلم بالتقديم لكتب أناس لايعرفون إلا في الفتن ، مع دوران هذه الكتب على تكفير المجتمعات والحكام ، وإساءة الظن بعلماء المسلمين .
من كل ما تقدم تعرف - حماني الله وإياك - أن من أعظم أسباب الفرقة والاختلاف أن يتصدر للفتوى أناسٌ ليسوا بأهل لها ، أو ممن يملكون علمًا ؛ لكن يشغبون بهذه الفتاوى على ولاة الأمر ، وكبار العلماء لحاجة في نفس يعقوب ؛ ونحن نقول لهؤلاء وأمثالهم ، إما أن تكون الفتوى الصادرة منكم ، و المضادة لفتاوى كبار أهل العلم صحيحة ، ودليلكم فيها إجماع أهل العلم ، وأن غيركم من كبار أهل العلم قد أخطأ ، فارجعوا إليهم وناقشوهم ، ولا تثيروا العامة وصغار الطلبة عليهم ، وتحطّوا من مكانتهم لأجل ذلك .
وإن كانت الفتوى منكم من باب المختلف فيه ، فمادام ولي الأمر قد نصّب أولئك ، واختار فتواهم على ما تفتون به ؛ فإن قوله يفصل في المسألة ، وعوام المسلمين ، ومصالح الدولة تبعٌ له ينظر فيها بالصالح ، فلماذا تسرِّبون الفتوى تلو الفتوى ؛ لتطير بها الركبان في كل قطر ومصر مشاقة لجماعة المسلمين وإمامهم ؟!
وليس لأحد أن يعتذر بما يراه من المنكرات والمعاصي المتفشية ، قال أئمة الدعوة - رحمهم الله - :
.. وأما ما قد يقع من ولاة الأمور ، من المعاصي والمخالفات ، التي لا توجب الكفر ، والخروج من الإسلام ، فالواجب فيها :
مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق ، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ،ومجامع الناس .
واعتقاد أن ذلك من المنكر الواجب إنكاره على العباد ، وهذا غلط فاحش ، وجهل ظاهر ، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه ، من المفاسد العظام في الدين والدنيا ، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه ، وعرف طريقة السلف الصالح ، وأئمة الدين . [ الدرر السنية ٩ : ١١٩ ] " .
- وهذا مشارك - أيضًا - :
" ولا ننس الأشرطة في التسجيلات الإسلامية لأهل الضلال ؛ ومنها ما يسمى زورًا الأناشيد الإسلامية ( البدعية المهيجة ) " .
- وهنا مشاركة أخرى لكاتب آخر :
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
واقع اليم نعيشه بين الفينة والأخرى ؛ ففي كل يوم يخرج علينا أهل الغلو والتطرف والضلال بفتنة تلو الأخرى وهاهنا يذوب القلب من كمد على ما يفعله هؤلاء الأغمار ، وهاهم يسقطون واحدا تلو الآخر كما بشرهم بذلك مشايخ الظلم والضلال أصحاب الفتاوى الليلية والدهاليز المظلمة ، فأسقطوا أبناءنا في هذا الوحل المنتن بعد سقوط منهجهم الهدام ، نعم إنهم مشايخ الظلماء أصحاب الدهاليز الليلية هم من يذكي نار الفتنة، في كل ليلة يجتمعون على الضلالة ويبثون سمومهم في عقول هؤلاء الأغمار صغار العلم والفهم ، ثم يتفرقون عنهم وقد وقعوا في شراك الفتنة وخرجوا يسعون إلى التفجير والدمار سعيا حثيثا، يسيرون ومنهج الخروج والشيطان في ركبهم ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
وما زال من بيننا سماعون لهم مشيعون لأفكارهم مروجون لغثائهم في المنتديات والمواقع الهدامة المعروفة ، فهذا الواقع ؛ لا بد له من دافع بإذن الله .
لقد سقط ثلة من الشباب المنحرف عن الحق شرعًا وعقلًا صرعى عند جدار القنصلية فهم قد قدموا للموت تسوقهم تلك الفتاوى الظالمة منادين باسم الجهاد - زعموا - ، داعين للضلال المبين والانحراف عن الصراط المستقيم .
لقد ألصقوا بالإسلام ظلمًا وزورًا تلك الأفعال المشينة فماذا وراء كل هذا غير زعزعة الأمن والأمان في هذه البلاد ، ولكن عقولهم لا ترتقي إلى ما نقول .
إذن ، لا بد من التفريق بين المروّج لهذا المنهج الغاشم الظالم وبين من يصطلي بناره ألا وهو المنفذ ، فعلينا أن نقطع دابر ذلك الذي يبث تلك السموم في عقول أبنائنا أيًا كان اسمه ورسمه ، فهاهو اليوم متكئًا على أريكته يرى ثمار فتواه في بلادنا ، وفي أبنائنا .
يجب علينا والحالة هذه الكشف عن هؤلاء الذين يشجعون أبناءنا على الجهاد المزعوم الذي لا نشك قيد أنملة أنه أسس على هوى وعاطفة وضلال وانحراف وكان بعيدًا كل البعد عن المنهج العقلي والشرعي ، فترى مشايخ الدهاليز الظلماء يفتون ويتملقون ويلوون ألسنتهم بهذا الفكر المنحرف ويصبغونه صبغة شرعية تنطلي على هؤلاء الأغمار .
ونحن وإياكم لم نسمع في يوم من الأيام أن منهم من قدم ابنه في سبيل الله كما يزعمون حتى يوصله إلى الجنة كما يغري أبناءنا .
ومما يدمي القلب أيضًا أن تجد من المشايخ ومن عامة الناس من يتعاطف مع هؤلاء ، يبرر أفعالهم تارة ، ويعتذر لهم على شاشة الفضائيات تارة أخرى ، ويصفهم بأنهم ظُلموا وقهروا وأنهم ... وأنهم ...
ثم بعد أيام قلائل يقلب لهم ظهر المجن فيعود محلِّلًا تارة ، ومفسِّرًا تارة ، ومهيِّجًا تارة أخرى ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وأعود فأقول :
يجب علينا بتر هذه الفتنة من أسها ، وقطع دابرها ، ولا يكون ذلك إلا بالوقوف في وجه كل مهيج مضلل مضيع لأبنائنا بتلك الفتاوى والمناهج الهدامة أيا كان ، ونحن ولله الحمد نعلم علم اليقين أن دابر هؤلاء مقطوع بإذن الله ، ثم بجهد المخلصين من أبناء هذه البلاد ، ولكن يجب أن نعلم أن هناك من يذكي هذه النار ، ويزيدها اشتعالًا ألا وهم مشايخ الدهاليز الليلية ، وإلا فنحن نعلم علم اليقين بأن هؤلاء الأغمار الصغار الذين نهجوا ، وسلكوا مسالك الفجار جهلاء من أعلى رأسهم إلى أخمص أقدامهم ، ليس فيهم طالب علم فضلًا عن عالم ، فلم يطرق أسماعنا أنه كان معهم عالم واحد منذ بداية بروز هذا المنهج في الأزمان السالفة .
ولذلك فإننا لن نجد عند جدار القنصلية ، ولا في المحيا ، ولا غيرها من الأماكن التي استهدفتها أفعالهم الآثمة أحدًا ممن يشار إليه بأن عنده مسحة من علم .
إذن ، فقد اجتمع مع الجهل بقواعد الشرع الهوى ، وسمّه إن شئت العاطفة العمياء التي تسقى من فتاوى أصحاب الدهاليز الظلماء ، فتقودهم إلى هذا الطريق المشين الذي فيه من العدوان والضلال ما فيه ، فقد أعلنوا الخروج على الشرع ، والبلاد والعباد ، وسفكوا الدماء المعصومة ، فحسبنا الله ونعم الوكيل على من أفتاهم ، ورباهم هذه التربية الخارجية التي جعلت هذا الواقع الأليم جزءًا من حياتنا .
وأخيرًا أقول :
فلنسلط الأضواء الكاشفة على تلك الدهاليز الليلية لنرى أولئك المشايخ - زعموا - الذين يسعون ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا لبث بذور الفتنة باسم الدين ، وكم حذر العلماء الفضلاء والأخيار من هذه الفتن قبل عشرات السنين ، ولكن هذا هو الواقع ولسان الحال يقول :
قد كان ما خشيت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا " .
وهكذا ترى أيها القارئ الكريم الجواب الصريح الصحيح على التساؤل الذي طرحته في تلك الفترة العصيبة ، ولا زلنا نعاني من تبعاته إلى يومنا هذا .. والله المستعان ، وعليه التكلان .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن والاه .
حرر في يوم الأحد ١٤٣٧/١/١١هـ