سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحبًا بالزّوار الكرام ، وأعتذر عن التواصل مع النساء ، جعلنا الله جميعًا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، كما أسأله جلّ وعلا أن يوفّقنا لما يحبه ويرضاه .

« أهمية التوحيد ، والتحذير من الشرك » لسماحة المفتي الشيخ : « عبد العزيز آل الشيخ » بتصرف - خطبة الجمعة ١٤٢٦/١٠/٩هـ .

بسم الله الرحمن الرحيم

 
[ إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) .
ألا وإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم  ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أمّا بعد : فيا أيّها الناس ، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى ] .
عباد الله ، يقول الله - جلّ جلاله - : ( يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) . 
أيّها المسلمون ؛ يأمر الله جميعَ عباده بقوله لهم : ( يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ) ، يأمرهم بعبادته ، بتوحيده وطاعته ، بإخلاصِ الدّين له ، بأن تكونَ كلّ عباداتهم لربّهم خالصةً ، لا يشركون مع الله غيرَه في أيّ نوع من أنواع العبادة ، فإنّ العبادةَ هي أعظمُ واجبٍ على العباد ، عبادة الله بتوحيده - جلّ وعلا - وصرفِ كلّ أنواع العبادة له ، وأن لا يشرَك معه غيرُه في أيّ نوع من أنواع العبادة .
فالتّوحيد أعظمُ الواجبات ، أعظمُ واجبٍ على العبد توحيدُه لله ، وإخلاصه الدينَ له ، فإنّ الله إنّما خلق الخلق لهذا ، ( وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) ، فما خلق الله الثقلين جنَّهم وإنسَهم ؛ إلاّ لأجل غاية واحدة هي عبادتُهم له - جلّ وعلا - بإخلاصِ الدين له ، وإفراده بجميع أفعالِهم من دعاء ، ورجاءٍ ، وذبح ، ونذر ، وغير ذلك من أنواع العبادة ، فتتألّه قلوبُهم ربَّ العالمين محبَّةً ، وخوفًا ، ورجاءً .

ولأجل هذا التوحيد أنزل الله كتبه ، ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ .. ) .
( تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدّينِ ) .
ولأجله أرسل جميعَ الرسل ليدعوا العبادَ إلى توحيد الله ، ويعرّفوهم هذا الواجبَ العظيم الذي لأجله خُلِقوا ، ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ ) ، فالرّسل بُعِثوا للدعوة إلى هذا الأصل العظيم ، فما من أمّة من الناس إلا بُعث لهم رسول ؛ ليقيم حجَّةَ الله عليهم بدعوتِهم إلى توحيده ، جلّ وعلا .
وأخبر - تعالى - أنّ دعوة الرّسل جميعًا اتّفقت على هذا الواجبِ العظيم ، فبه افتتَح الرّسل جميعُهم دعوتَهم أممَهم ، قال - تعالى - : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ ) . 
هذا التوحيدُ من حقّقه التحقيقَ الكامل فإنّه بفضلٍ من الله ورحمته يدخل الجنّةَ بغير حِساب ، في حديث عتبان : (( فإنّ الله حرّم على النّار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهَ الله )) [ متفق عليه ] .
ويُخرج من النّار في قلبه مثقالُ ذرّة من هذا التوحيد ، في الحديث : (( يقول الله : أخرِجوا من النّار من في قلبه مثقالُ ذرّة من إيمان )) [ متفق عليه ] .
هذا التوحيدُ أساسٌ لقبول كلِّ الأعمال ، فالأعمال كلُّها متوقِّفٌ قَبولها ، واعتبارها على تحقيق هذا الأصل العظيم عبادةِ الله وحدَه لا شريك له ، قال - تعالى - : ( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) ، فكلّ أعمالِ المشركين العابدين غيرَ الله هي يومَ القيامة هباء منثور ، لا اعتبارَ لها ، ولا ميزانَ لها .
وبيّن - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم هذا الأمرَ العظيم ، فقال : ( وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ) ، وقال عن أنبيائه لمّا عدّهم : ( وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .
أيّها المسلمون ، هذا التوحيد أصلُ الأصول الذي خلِقنا لأجلِه ، أن نعلمَ أنّ العبادة حقّ لربّنا - جلّ وعلا - ، فنفرده بكلّ عباداتنا محبَّةً له ، وذلاًّ ، وخوفًا منه ، وطمعًا فيما عنده من الثواب .
نعلم حقًّا أنّ ربَّنا خالقُنا ، وخالق السموات والأرض ، والمتصرّف في كلّ الكون ، حياتُنا بيدِه ، موتُنا بيدِه ، رزقنا بيده ، مالك النّفع والضرّ ، السميع البصير ، العالم بكلّ شيء ، فهو المستحقّ أن نقصدَه بالعبادة ، هو المستحقّ إذا لجأنا أن نلتجئ إليه - جلّ وعلا - ، فندعوه وحدَه لأنّه قريبٌ مجيب ، الذي يقول لنا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ، والذي يقول لنا : ( أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء ) ، والذي يقول لنا : ( ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ ) .
إذًا فأولئك الذين يدعون غيرَ الله ، ويؤمّلون في غير الله ، ويعلّقون آمالهم بغير الله إنّهم على غايةٍ من الضلال ، والبعد عن الهدى ، لماذا ؟
لأنّ هذا الدعاءَ يُصرَف لأموات وغائبين ، لا يعلَمون حالَ داعِيهم ولا يسمعونه ، ولو سمِعوا ما استجابوا ، قال - تعالى - : ( وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ ) ، ما بين أمواتٍ وغائبين ، ما بين جنٍّ وملائكةٍ وغيرهم .
( إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ ) ، فعسى أن يخلِّصوا أنفسَهم فضلاً أن ينفَعوا غيرَهم .
وثالثًا : ( وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ ) ، ويتبرّؤون منكم ، ومن عبادتِكم ، ومن دعائِكم لهم ، إذًا أنتم في غايةٍ من الضلال .
أيّها المسلم ، إنّ المشركَ قد ارتكب ظلمًا عظيمًا ، وجُرمًا كبيرًا ، عبَد غيرَ الله ، وتألّه غيرَ الله ، وأمَّل في غير الله ، وتعلّق قلبُه بغير الله ، تعلّق بمن ادّعى به الولاية ، أو الصلاح ، أو غيرَ ذلك ، وكلّ أولئك لا ينفعون داعيَهم ، ولا يسمعون دعاءَه ، ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـٰفِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ ) .
فإذا كان حالُه كذلك ؛ لا يستجيب لي إلى يوم القيامة ، وهو غافلٌ عنّي مشغول بحاله ، ويومَ القيامة يوم الاحتياج يتبرّأُ منّي ، ومن عبادتي ، فلماذا أعبدُ هذا المخلوق ؟ ! ولماذا أعلّق أملي بهذا المخلوق ، وأنسى وأنصرِف عن الحيّ القيوم الذي لا تأخذه سنةٌ ولا نوم ؟ ! ( يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ) .
أيّها المسلم ، إنّ محمّدًا صلى الله عليه وسلم خاتم أنبياءِ الله ورسله ابتدأ دعوتَه لقومه بدعوتِهم إلى توحيد الله ، إلى إخلاص الدّين لله ، إلى البراءة من كلّ معبودٍ يعبدونه من دون الله ، إلى أن يتركوا ما كان يعبده أسلافُهم من الأشجارِ والأحجار .
 دعاهم إلى أن يقولوا كلمَة الإخلاص : " لا إله إلا الله " ، دعاهم إلى هذه الكلمة ، أن ينطقَ بها ألسنتُهم ويعملوا بمقتضاها ، ولمّا فهِموا أنّ هذه الكلمةَ تلزمهم إفرادَ الله بالعبادة ، وترك ما كانوا عليه من شركهم بالله قالوا : ( أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهًا وٰحِدًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيء عُجَابٌ ) ، فلم ينطقوا بها تكبُّرًا عنها ، وكراهيةً أن يقولوا قولاً يناقض ما هم عليه من الباطل والضّلال ، قال - تعالى – عنهم : ( إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَ يَقُولُونَ أَءنَّا لَتَارِكُو ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ) ، قال الله : ( بَلْ جَاء بِٱلْحَقّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ ).
إنّ محمّدًا صلى الله عليه وسلم مكث أكثرَ من عشرِ سنين ، مهمّتُه تأسيسُ هذه العقيدةِ ، وتثبيتها في النفوس ، والجدالُ عنها ، والنّضال عنها ، ودحض شبَه المبطِلين ، وردّ أباطيلهم بما أنزل الله عليه من كتابه العزيز المبيّن لفسادِ تصوّر المشركين وضلالهم .
بيّن الله - جلّ وعلا - لهم في كتابه العزيز أنّ الأنبياءَ والملائكة وكلّ الأولياء برآء من كلّ من عبَدهم من دون الله ، برآء من كلّ من جعلهم أندادًا لله ، برآء من كلّ من قصدَهم دون الله ، فهذا عيسى ابن مريم يقول الله له يومَ القيامة : ( يـاـعِيسَى  ٱبْنَ مَرْيَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ) ، يقول الله له ، وهو أعلم ؛ لكن ليقيمَ الحجّة على أولئك الضالين : ( قَالَ سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ ) ، أجل ، إنّه لا حقَّ له في ذلك ، ( إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ ) ، فعيسَى قال لقومه : ( اعبدوا الله ربّي وربَّكم ) ، ما قال لهم : اعبدوني ، ولا اتخذوني إلهًا ، ولا اجعلوني واسطةً بينكم وبينَ الله ، بل قال لهم : ( اعبدوا الله ربّي وربَّكم ) .
وملائكةُ الرحمن يسألهم الله يومَ القيامة ؛ ليردَّ على أولئك المتعلِّقين بهم ، يقول الله لملائكة : ( أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ) ، ماذا يقولون ؟ ( سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ) ، فلا علمَ لنا بعبادتِهم ، ولا أمَرنَاهم بذلك ، ولا ارتضَينا منهم ذلك .
هكذا أنبياءُ الله وملائكته وكلُّ من عُبِد من دون الله ، ( إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأسْبَابُ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءواْ مِنَّا كَذٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ حَسَرٰتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّار ) .
إذًا أيّها الإخوة ، فتوحيدُ الله فرضٌ على كلّ مسلم ومسلمة ، أن يعتقدَ أنّ الله وحدَه المعبود ، وأنّ الله وحدَه المقصود ، وأنّ الله الذي يدعَى ، ويرجَى ، لا يرجَى ، ويدعى غيرُه ، وأنّ كلّ أنواع العبادة يجب أن تكونَ لله خالصة ، وأنّ أولئك الداعين للأمواتِ ، والصالحين عندَ القبور ، والطائفين بها ، والذّابحين لها ، والنّاذرين لها ، والمعلّقين بها آمالَهم هم في ضلالٍ مبين ، وكفرٍ ، وشرك بالله ، ومفارقةٍ لدين الإسلام ؛ لأنّ دين الإسلام مبنيّ على أن يكونَ الله وحدَه المعبود دون سواه ، فهذا التوحيدُ أعظم حقٍّ لله علينا ، يقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ : (( أتدري ما حقّ الله على العباد ، وما حقّ العباد على الله ؟ )) قال معاذ : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : (( حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا ، وحقّ العباد على الله أن لا يعذّبَ من لا يشرك به شيئًا )) .
أيّها المسلم ، الموحّدون لله لهم الأمانُ يومَ القيامة ، ولهم الاهتداء التامّ في الدنيا والآخرة ، ( ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ).
الموحّدون مهما تكن حالهم فمآلهم برحمةِ الله إلى دخولِ الجنّة ، ( إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) ، أمّا عُبّاد غير الله فالنّار مقرُّهم ، لا يشفَع فيهم شافع ، ولا ينفعهم أيّ عمل ، قال - تعالى - : ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ، فما تنفعهم شفاعة الشّافعين .
المشركون بالله يدّعون أنّ أولئك المعبودين وسائطُ بينهم وبين الله ، يرفعون إلى الله حاجاتِهم ، ويشفعون لهم عندَ الله ، وهذا من أعظم الضّلال ، فقد بيّن الله فسادَ ذلك ، وبيّن أنّ شركَهم هكذا ، قال - جلّ وعلا – عنهم : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدّينِ * أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى ) ، هكذا يقولون ، ولمّا كانت دعوًى باطلة ، ودعوًى كاذبة فاسدة ؛ لأنّ الوسائط بيننا وبين الله هم رسلُ الله فيما يبلّغونا عن الله ، ورسول الله واسطةٌ بيننا ، وبين الله في شرعه ودينِه ، أمّا العبادة فهي حقّ لله ، ولا وساطة بيننا ، وبين ربّنا في توحيده ، وإخلاص الدّين له .
محمّد صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ، وأفضلُهم ينادي عمَّه العبّاس : (( يا عبّاس ، لا أغني عنك من الله شيئًا . يا فاطمة بنت محمد ، لا أغني عنك من الله شيئًا. يا صفيّة عمّة رسول الله ، لا أغني عنك من الله شيئًا )) [ متفق عليه ] ، يعني : إن لم توحّدوه ، وتخلصوا الدّين له .
وهو صلى الله عليه وسلم دعا إلى هذا التوحيد ، وحمى حِمى التوحيد ، وأغلق كلّ وسيلة تفضي إلى الشّرك ، فيقول صلى الله عليه وسلم في آخر حياتِه : (( لعن الله اليهودَ والنصارى ؛ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد )) ، قال الصّحابة : يحذِّر ما صنعوا ، ولولا ذلك لأبرِزَ قبره . [ متفق عليه ] .
 ويقول صلى الله عليه وسلم : (( لا تطروني كما أطرت النّصارى ابنَ مريم ، إنّما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله)) [ رواه البخاري ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( صلّوا عليّ ، فإنّ تسليمكم يبلغني أين كنتم )) [ رواه أحمد ، وأبو داود ، وصحّحه النووي ، وابن حجر ، الألباني ، رحم الله الجميع ] .
فهو لا يرضى أن يُشرَك مع الله في عبادتِه ، إذ العبادة كلّها لله حقّ ، يأمره الله أن يقولَ : ( قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا * قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) ، ( قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء ) ، ويقول الله مبكِّتًا المشركين : ( وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) ، هكذا حَال المعبودين من دون الله .
فكن ـ أيّها المسلم ـ متمسِّكًا بهذه العقيدةِ السليمة ، مخلِصًا لله العبادة ، عابدًا الله وحدَه ، مخلصًا له دعاءَك ، وذبحَك ، ونذرك ، ورجاءَك ، وحبَّك ، وخوفك ، وكن على يقينٍ بأنّك عبدٌ لله ، خُلقتَ لتبعدَ الله وتتقرّب إليه بصالح الأعمال ، وأنّ هذه العبادة لا يستحقّها أيّ مخلوق كائنًا من كان ، لا ملَكٌ مقرَّب ، ولا نبيّ مرسل ، فضلاً عن أيّ إنسان كائنًا من كان ، فالله ما خلقك ؛ إلا لتوجِّه قلبَك إليه ، إلاّ ليكونَ هو إلهك ومعبودك ومرجوَّك ، ليس لك غيره تعالى وتقدّس .
فإذا أخلصتَ له توحيدَك ، وعبدتَه وحدَه لا شريك له ؛ فأنتَ بفضل الله ، ورحمتِه على سبيلِ خير وهدًى ، ويُرجَى لك برحمةِ أرحم الراحمين دخولُ الجنة مع الأعمال الصالحة التي جعلها الله سببًا لذلك .
واحذَر الشركَ بالله ، واحذَر عبادةَ غير الله ، واحذر أن تأتيَ قبرًا ، أو تطوفَ به ، أو تدعوَ أهله ، أو تعتقدَ أنّهم ينفعون ، أو يشفعون ، أو أنّهم يسمعون دعاءَ من دعاهم ، أو أنّهم يكشفون الضرَّ عن أيّ مضطرٍّ ، أو ينفعون ، أو يجلبون خيرًا ، أو يدفعون ضررًا ، اعتقِد أنّ ذلك باطلٌ ، وكذب ، وأنّ الكلَّ بيدِ الله ، فهو مالك النّفع والضرّ ، وهو المدعوّ ، والمرجوّ وحدَه دون ما سواه .
ثبّتني الله وإيّاكم على قولِه الثابتِ في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة .
أقول قولي هذا ، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنّه هو الغفور الرحيم . 


 
الخطبة الثانية
 
 
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله ، صلّى الله عليه ، وعلى آله وصحبه ، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد : فيا أيّها الناس ، اتّقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى ، واستمسكوا منه بالعروة الوثقى .
أيّها الموحِّد لله ، أيّها المسلم الذي أسلم قلبُك لله ، وعبدتَ الله وحدَه ، ورجوتَه وحدَه ، وخصّصته بكلّ أنواع الطاعةِ والعبادة ، اسمَع ما وعدك به ربّك على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم ، يقول صلى الله عليه وسلم : (( من شهِد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّدًا عبد الله ورسوله ، وأنّ عيسى عبد الله ، ورسوله ، وكلمتُه ألقاها إلى مريم ، وروحٌ منه ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنّار حق ؛ أدخله الله الجنةَ على ما كان من عمل )) [ متفق عليه ] .
وفي الحديث [ الآخر ] : (( مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخلَ الجنة )) [ رواه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي ، وحسّنه النووي ، والألباني ، رحم الله الجميع ] .
فكن ـ أيّها المسلم ـ حريصًا على تحقيق توحيدك ، حريصًا على البُعد عن الشّرك مهما كانَ حالك ، ولا تغترّ بما ابتُلي به كثيرٌ من العالِم الإسلامي بهذه الخرافات ، والضّلالات ، والتعلّق بضرائحِ الأموات ، واعتقادِ أنّ أهلَها يسمعون ، وينفعون ، وأنّهم يشفعون لِمَن دعاهم ، وأنّ لهم تصرّفًا في الكون ، وأنّ لهم ، وأنّ لهم ..
كلّها من الخرافاتِ ، والأباطيل التي زيّنها الشّيطان لهم ، وحسّنها لهم ، وحتى ظنّوا أنّها حقّ ، وهي باطل ، يقول الله - جلّ وعلا - : ( قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) ، ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ) ، فهم ( لا يملِكون مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض ) ، فمَن ليس مالكًا ، وليس شريكًا ، ولا عَونًا لماذا يُدعَى ؟!
ولماذا يُرجَى؟! ولماذا يقصَد؟!
ولماذا ننسَى الحيّ القيومَ السميع القريبَ الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم ؟!
لماذا ننسى مَن إذا قال للشيء : ( كن فيكون ) ؟!
ولماذا نأتي لتلك الخرافات وإلى أولئك الأموات ؟!
ماذا وراء ذلك ؟! ماذا عندهم ؟! وماذا وراءهم ؟!
لكن دعاةَ الضلال والخرافة يدعون إلى هذا الباطل ، ويحسّنون هذا الباطل ، ويزيّنون لهم هذا الباطل ؛ حتّى أوقعوهم في الشّرك بالله .
فليكن المسلمُ على حذَرٍ من ذلك ، ليلقى اللهَ على التوحيدِ الخالص ، فإن لقيهُ مخلِصًا له توحيدَه ؛ فيُرجَى له برحمةِ أرحمِ الراحمين الخيرُ الكثير .
جاء في الحديثِ أنّ في يوم القيامة يؤتَى برجلٍ ، فيمدّ له تسعةٌ وتسعون سِجِلاًّ ، كلّ سجلّ مدَّ البصر ، فيقال: أتنكِر شيئًا من هذا ؟ فيقول : لا ، فيظنّ الرّجل أنّه هلك ، فيقال : لا ظلمَ اليوم ، فيخرج بطاقة فيها : " أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله " ، فتوضَع البطاقة في كفّة ، والسجلاّت في كفّة ، قال : فطاشَت السجلاّت ، وثقُلت البطاقة . [ رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وصححه ابن حبّان ، والحاكم ، والالباني ، رحم الله الجميع ] ، كلّ هذا بفضلِ التّوحيد ، وعظيمِ شأنِه .
جعلني الله وإيّاكم ممّن أخلصَ لله توحيدَه ، ولقيَ الله على هذا الأصلِ العظيم ، غيرَ مبدِّلٍ ولا مغيِّر ، إنّه على كلّ شيء قدير .
وصلوا ـ رحمني الله وإياكم ـ على نبينا محمّد كما أمرنا ربنا ، جلّ وعلا .
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد .
اللهم وارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ، وسائر الصحابة والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم وفّق ولاة أمورنا خاصة ، وولاة أمور المسلمين عامة لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال .
اللهم ارفع البأس عنا ، وعن إخواننا المسلمين في كل مكان برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم عليك بأعدائك أعداء الملة والدين ، اللهم انتقم للمسلمين منهم يا قوي ياعزيز .
عباد الله ؛ أكثروا من ذكر الله ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .