سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحبًا بالزّوار الكرام ، وأعتذر عن التواصل مع النساء ، جعلنا الله جميعًا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، كما أسأله جلّ وعلا أن يوفّقنا لما يحبه ويرضاه .

التنبيه على بيتيّ الشعر : إنْ رُمـتَ لسـانَـك يَعتَدلي * * * . . . الخ ، في ١٤٣٧/٢/٥هـ .


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد : فإن أحسن الحديث كتاب الله ، وخير الهُدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

وأودّ التنبيه على ما انتشر في بعض مواقع النت ، ووسائل التواصل الاجتماعي لبيتين من أبيات الشعر في مقطع فيديو ؛ زعم بعضهم أنها تعلّم الطلاقة اللغوية ( النطق الصحيح ) ؛ بل إن بعض الناس أصبح يردّده هو وأهله ؛ لتقويم لسانهم ، كما في هذين البيتين :
 إنْ رُمْـتَ لسـانَـك يَعتَدلي  *  *  *  قلْ : عبد الله بن الوَمَوي
 ابن المُعْتِعْتِكِ بِعْتِك مِعْتِك  *  *  *  قل للقُمْقُمَـةِ قُـمِ اعْتدلي
ويلحظ المتأمِّل لهما عدة ملحوظات :



* الأولى : جهالة قائلهما :
فمن خلال البحث لم يمر معي وجودهما في أي كتاب من كتب العلم ، ولم أهتدِ لصاحبهما ، مع استعانتي بالله ، ثم بما بين يدي من أدوات البحث كالموسوعة الشاملة ، وغيرها .
ويظهر لي - والله أعلم - أنهما لأحد رجلين من المعاصرين :
 - إما رجل أراد خيرًا ، وأخطأ في الطريقة ، كالذين ينْظمون متونًا علمية ؛ لتسهيلها على الطلاب ، مع ورود الخطأ في المتن ، أو نظمه .
 - أو أحد أولئك الذين امتهنوا الضحك وسيلة لجلب الجماهير ، غير مبالين بالسخرية والاستهزاء التي تلحق الدين والعلم بسببهم .
والواجب صيانة العلم الشرعي ، ولغته عن الهزل ، والعبث .

* الثانية : التعقيب على بعض المخالفات فيهما :
ففي قوله :

 إنْ رُمْـتَ لسـانَـك يَعتَدلي  *  *  *  . . . . . . . . . . . . . . .
واشتهرت في مقطع الفيديو بقولهم : ( إن رِتَّ ) وأصلها : ( إن أردت ) .
وهنا يرد على القارئ استشكال مهم هو :
إذا كان بعض أهل العلم - رحمهم الله - لا يرون وجوب أحكام التجويد ، أو بعضها لكلام الخالق ، وليس هذا مقام إيراد أدلة المجيزين والمانعين والمفصّلين لها .
لكن ما يهمنا هو : هل يسوغ تطبيق هذه الأحكام على كلام الخلق شعرًا ونثرًا ، كما يدعو إليه بعضهم ؟!
أم أن الضرورة الشعرية قد حضرت هنا ؛ لئلا ينكسر وزن البيت ؟
وعلى كل حال :
الزعم بأن قول هذه الأبيات يعتدل به اللسان ، قول غير صحيح من جهات عدّة :
١ - أن في البيتين - سيّما مطلعهما - ما يفهم منه أنك بمجرد قولك لهما ستنال لسانًا معتدلًا ، وهذا فيه تقليل من الكتب التي صُنِّفت في فصاحة اللسان ، وتقويمه ؛ بل لو قال أحد بأن الحال يصل إلى ما هو أعلى ، وأشرف من كتب العلم ، وعلى رأسها القرآن والسنة لما أبعد النجعة .
٢ - ومما يدلّك على بطلان هذا الزعم : انعدام شروط المتون العلمية فيهما من جهة التركيز ، والسلاسة ، والبعد عن حوشيّ - أي :
غريب - الألفاظ .
٣ - كما أنك تلحظ عدم اشتمالهما على مجموع حروف اللغة العربية - سيّما صعبة النطق - وكلنا يعلم المعاناة البالغة من المعلّمين مع بعض الطلبة ، وغيرهم ؛ حيث يجد بعضهم معاناة شديدة عند نطق بعض الكلمات .
فأين صاحب البيتين من مراعاة كل ما سبق ؟!

* الثالثة : اشتمالهما على عبارات غير سائغة لفظًا ومعنى :

قال في البيتين المذكورين :

 . . . . . . . . . . . . . . .  *  *  *  قلْ : عبد الله بن الوَمَوي
 ابن المُعْتِعْتِكِ بِعْتِك مِعْتِك  *  *  *  قل للقُمْقُمَـةِ قُـمِ اعْتدلي
 فمن عبدَ الله بن الوَمَوي ابن المُعْتِعْتِك ؟!
وما معنى : بِعْتِك مِعْتِك ؟!
ألا إن هذا الكلام تمجّه الأسماع ، وتنفر منه الطباع ؛ حيث يشابه سجع الكهّان ، وطلسمة المشعوذين من أصحاب الروحانيات ، وخرافة ( القمقمة الكبرى ) ، ونحوها .
ولعل هذا سبب نصيحة بعض طلبة العلم في بعض المواقع بعدم ترديد هذه الكلمات ؛ لتعلم خطورة بعض الألفاظ على عقيدة التوحيد ، مع استصحاب جهالة قائل البيتين عينًا ، وحالًا .
 يؤكِّد ذلك ، ويبيّنه : معنى ( القُمْقُمَة ) في كتب اللغة كما في ( المعجم الوسيط ) بأنها : وعاء له عروتان .
وفيه قبلها : ( القُمْقُمْ ) وعاء خرافي كان محبسًا للمردة من الشياطين فيما زعموا .
فهل يسوغ للعاقل بعد هذا أن يخاطب الأوعية ، والأواني بـ ( قُمِ اعْتدلي ) ؟!
فكل ما مضى يدلّك دلالة واضحة بأن هذين البيتين لا يصلحان لغة ، ولا شرعًا .

* وصية لمن يرغب في تقويم لسانه ، وتصحيح لغته :
أوصي نفسي وإياك بإخلاص النية لله - جل وعلا - ، ومتابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلاوة كتاب الله - بحسب الوسع - آناء الليل ، وأطراف النهار ، وترتيله كما أمر الله : ( ورتِّل القرآن ترتيلًا ) ، وإن استطعت حفظه ، فذلك فضلٌ من الله عليك عظيم .
وقد أحسن من عارض البيتين المذكورين بقوله :

إن رُمتَ لسانَكَ يعتدلِ  * * *  فاتلُ القرآن على مَهَل
مع تـلقـينٍ في تحقـيقٍ  * * *  لشيوخٍ هم أهلُ الفضل
أستـاذك شيـخٌ مستنِدٌ  * * *  لرواة الوحـيِّ المتصِّـلِ
هذا خيرٌ من قولتِهم :  * * *  قل للقُمْقُمَةِ قُمِ اعْتدلي
ويا حبذا لو أضاف إلى هذه الأبيات : أبيات أخرى فيها الحثّ على قراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الشعر المفيد كالمنظومات العلمية ، ونحوها من الشعر العربي النزيه ، ترديدًا وحفظًا - بقدر المستطاع - ، و - أيضًا - الدلالة على كتب الفصاحة ، وتقويم اللسان .

والله الموفق ، والهادي إلى سواء السبيل .
وصلّى الله وسلّم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد الله رب العالمين .
حرّر في ١٤٣٧/٢/٥هـ