سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحبًا بالزّوار الكرام ، وأعتذر عن التواصل مع النساء ، جعلنا الله جميعًا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، كما أسأله جلّ وعلا أن يوفّقنا لما يحبه ويرضاه .

طريقة العلماء في الدعوة إلى الله ، حرر في ١٤٣٧/٢/٢٧هـ .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله رسول الله محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، واقتفى أثره ، واتبع هداه .. أما بعد :

فإن الدعوة إلى الله من أحسن الأقوال ، والأعمال الصالحة ؛ لقول الله - جلّ وعز - : ( ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين ) ، وقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه الى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئًا .. " الحديث ، إلى غير ذلك  من النصوص التي ترسم لنا الطريقة الصحيحة في الدعوة إلى الله .
 ورغبةً من أخيكم في بيان هذا الموضوع المهم ، وتجليته ، وإيضاحه لمن خفيت عليه طريقة العلماء في الدعوة إلى الله ، أو نسيها ، وغفل عنها  ؛ رأيت كتابة هذا المقال المختصر .

فمن الطرق الصحيحة للدعوة إلى الله التي أدركنا عليها علماءنا ومشايخنا ، ولا زالوا عليها - ختم الله لهم ولنا بالحسنى وزيادة - الأمور الآتية :


• الأول : استقبال العلماء لطلبة العلم ، والاحتفاء بهم . 
اعلم - أرشدني الله وإيّاك لطاعته - أن من طريقة العلماء في الدعوة إلى الله أنهم يفتحون أبوابهم لطلبة العلم ، ويرحبّون بهم ، وكم أدركنا من علمائنا من يفعل ذلك ، وقدوتهم في ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم في استقبال الوفود ، وغيره . 
فلا تجدهم ينفرون من الطلبة ، والعامة ؛ بل يحلمون عليهم ، ويصبرون على استفساراتهم ، ويحلّون استشكالاتهم ، ويوجّهونهم إلى طلب العلم ، والتأدّب بآدابه .

• الثاني : تحذير العلماء من التحزّب لهم ، أو لغيرهم . 
ومن طريقة العلماء : أنهم يحذّرون من الحزبية ، سواءًا كان التحزّب لهم ، أو لغيرهم . 
فلا تجد عندهم طبقات كحال المتصوّفة ( عامة ، وخاصة ، وخاصة الخاصة ) ، أو خلايا هرمية كما هو معلوم عند التنظيمات الحزبية .
ولا يدعون لأخذ أقوالهم مجردة عن الادلة لمجرد أنهم قالوها ، ولا يرضون بتقليدهم ، ولا تقليد غيرهم ، ولا يرضون بالتعصب لهم .

• الثالث : ميزان العلماء غير متناقض ، ويراعي المصالح والمفاسد .
ومن طريقتهم : النظر للقضايا التي تُعرض عليهم بعين واحدة ، فلا تجدهم يتناقضون في القضايا المتماثلة ؛ ولكنهم يراعون باب المصالح والمفاسد .

• الرابع : فرح العلماء بتوبة الضال ، وإعانته .
ومن طريقتهم : إعانة الناس على التوبة ، والرجوع إلى الحق ، ويدلّونهم عليها ، وعلى كيفيتها الشرعية .

• الخامس : حثّ العلماء لقليلي الخبرة ، ومن خرج حديثًا من الفتن ؛ بعدم التصدّر قبل النضج ، والفهم .
فمن طريقة العلماء : أنهم لا يصدّرون الصغير قبل نضجه ؛ حتى يتأهّل جيدًا . 
ويكفينا في هذا الأثر المشهور عن الإمام مالك - رحمه الله - بعدم جلوسه للإفتاء ؛ حتى شهد له عدد من شيوخه علماء التابعين في المدينة . 
وكذلك هم لا يصدّرون التائب ، مهما بلغ مستواه العلمي ؛ ما دام للتوّ خرج من فتنة ما . 
رائدهم في ذلك فعل السلف كعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع صَبيغ بن عِسل ، وغير ذلك مما صحّ ، وتناقله جبال السنة ، نضّر الله وجوههم وإيانا . 
فقد كانوا يمهلون من خرج من فتنة ما مدة من الزمن ؛ ليذهب ما يجد في رأسه من شبهات ، وليظهر رجوعه إلى الحق ، واتباعه للسنة . 
فلا يفتنون الناس بالإطراء ، والتزكية قبل النضوج ، والتأهل .

• السادس : أمر العلماء للناس عامة ، وللطلبة خاصة بالالتفاف حول العلماء ، والتحذير من الفتن ، وأهلها . 
ومن طريقتهم : أنهم يأمرون بالالتفاف حول العلماء ، وثني الركب عندهم ، والتلقي عنهم . 
ويحذّرونهم من الفتن ، ويأمرونهم بترك الخارجين للتوّ منها .
وكذلك يزهّدونهم في صحبة من عُرفوا باستخدام الدين لمصالحهم الشخصية ، لا من يخدمون الدين طلبًا للأجر الأخروي ، ولو حصّل شيئًا من الأجر الدنيوي ، ولا يخفى الفرق الدقيق بينهما .

• السابع : احترام العلماء لكبار طلبتهم ، والدلالة عليهم ، وأمر الصغار بتقديرهم ، وتوقيرهم ، والأخذ عنهم . 
فمن طريقة العلماء : حرصهم على طلبتهم ، والدلالة عليهم كل بحسب تخصصه ، ونبوغه في علم ما ؛ ويوصونهم بالحرص على بذل العلم للمقبلين من الطلاب . 
وفي المقابل ؛ يوجّهون صغار الطلبة إلى معرفة قدر كبار الطلبة ، وتوقيرهم ، والأخذ عنهم .

• خاتمة المقال : نصيحة لأهل السنة .
أنصح نفسي المقصِّرة وإخواني أهل السنة في كل مكان بالحرص على تعلّم العلم الشرعي لوجه الله ، والعمل به ، والدعوة إليه ، والصبر على الأذى فيه ؛  بسم الله الرحمن الرحيم : ( والعصر (١) إن الإنسان لفي خسر (٢) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (٣) ) . 
وهذا كان ولازال ديدن جميع من أدركنا من علمائنا ومشايخنا ، أثاب الله الجميع الحسنى وزيادة . 
فلنكن مثلهم ، ولنسر على نهجهم .

وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين . 
حرّر في ١٤٣٧/٢/٢٧هـ